القائمة الرئيسية

الصفحات

 بارت 2 ( تحدي و أستفزاز )





في عالم الصفقات، التحدي ليس مجرد عقبة، بل فرصة لإثبات الذكاء والمهارة. فالصفقة الحقيقية لا تُبنى على الراحة، بل على المواجهة والقدرة على قلب الطاولة لصالحك.

_____________________________

_ صباح الخير سيد غارسيا شكراً لاستقبالك لي .

لم ينبس ببنت شفة فوراً بل واصل النظر إلي بتلك النظرة الثاقبة التي تجعلك تشعر وكأنه يقرأ أفكارك دون أن ينبس بكلمة ثم بعد لحظات من الصمت المطبق قال بصوت عميق ورزين :-
_ وقتي ضيق جداً سنيورا آليسون أبدئي .

أخذت نفساً عميقاً محاولة التحكم في انفعالاتي كنت أعلم أن هذه اللحظة هي الفرصة الوحيدة لإثبات قدرتي على إقناعه بدأت حديثي بثقة مطلقة معتمدة على كل كلمة أقولها :-

_ سيد غارسيا أنا هنا اليوم لأننا نؤمن بأن أرضك يمكن أن تكون جزءاً من مشروع سيغير وجه هذه المدينة إلى الأبد نحن نخطط لإقامة فندق عالمي المستوى على هذه الأرض فندق سيكون وجهة للسياح من جميع أنحاء العالم . فإن الأرض التي تمتلكها في قلب المدينة هي واحدة من أفضل المواقع الاستثمارية في المنطقة نحن نرى فيها فرصة لبناء فندق فاخر من شأنه أن يعود بالنفع على الجميع .
أوقفني بحركة خفيفة من يده وكأنما لم يكن بحاجة لسماع المزيد قال بنبرة جافة وغير مهتمة :-
_ سنيورا آليسون دعيني أكون واضحاً هذه الأرض ليست للبيع أو التأجير لا أحتاج إلى المال ولا إلى المشاريع الضخمة التي تتحدثين عنها .

لم أستسلم كنت أعلم أن هذا النوع من الشخصيات يتطلب مقاربة مختلفة ابتسمت بثقة وقلت :-
_ ربما لا تحتاج إلى المال ولكن تخيل مدى الفائدة التي يمكن أن تجلبها هذه الأرض للمجتمع المحلي فرص العمل التنمية الاقتصادية... هل تريد حقاً حرمان الناس من هذه الفرصة؟

رد علي بابتسامة باردة مليئة بالسخرية :-
_ أنتِ تتحدثين عن " الناس " وكأنهم يحتاجون إلى منقذ لكنني أرى أنكم فقط تبحثون عن مكان لتحقيق أرباحكم الخيالية هذه الأرض ليست مجرد قطعة من العقار بالنسبة لي إنها رمز لشيء أكبر بكثير مما يمكن أن تفهميه سنوياً يأتي إلي أناس مثلكم يحاولون إقناعي ببيع أرضي أو المشاركة في مشاريعهم لماذا أظن أن عرضكم مختلف؟

أنا لم أفقد رباطة جأشي واصلت بثبات :-

_ مع كل الاحترام سيد غارسيا أنت تتحدث وكأن لديك الحق الحصري في تحديد مصير هذه الأرض لكن الواقع يقول شيئاً مختلفاً هذه الأرض يمكن أن تكون مصدر خير للجميع وليس فقط لك كما أننا لا نقدم مجرد عرض مالي سيد غارسيا نحن نقدم رؤية فندقنا لن يكون مجرد مبنى بل سيكون علامة تجارية ترفع من قيمة المنطقة بأكملها وسنضمن لك حصة كبيرة في الأرباح بالإضافة إلى حقوق اتخاذ القرار في التصميم والإدارة .

ابتسم مرة أخرى لكن هذه المرة كانت ابتسامته أكثر حدة كأنه يستمتع برؤيتي وأنا أتخبط قال بصوت هادئ ولكنه حاد كالسكين :-

_ آه إذن هذا هو ما تظنينه؟ أنني شخص أناني يضع مصالحه فوق الجميع؟ حسناً اسمحي لي أن أوضح لكِ شيئاً سنيورا آليسون أنتِ تمثلين مؤسسات لا تعرف سوى الاستغلال تأتين إلى هنا بأحلامك الزائفة وتتحدثين عن " التنمية " بينما كل ما تريدين فعله هو تحويل هذه الأرض إلى أداة لجشعك ، رؤية؟ أتحدثين عن الرؤية وكأنها شيء يهمني أنا أملك الأرض وهذا كل ما يهم لماذا أشارككم في مشروع قد لا أرى منه أي فائدة حقيقية؟

شعرت بالدم يغلي في عروقي لكنني حاولت الحفاظ على هدوئي قلت بحدة :-
_ هذا ليس جشعاً بل رؤية هناك فرق كبير بينهما أنت تعيش في عالمك الخاص بينما نحن نحاول بناء المستقبل إذا كنت لا تستطيع رؤية ذلك فهذا يعني أنك فقدت القدرة على التفكير بطريقة منطقية .

ضحك ضحكة قصيرة وساخرة وقال :-
_ التفكير المنطقي؟ يا لها من كلمة مضحكة أنتِ تتحدثين عن المنطق بينما تحاولين سرقة أرضي تحت ستار التنمية أتعلمين ما الذي يجعلني أضحك أكثر؟ أنكِ تظنين أنني سأقع في فخ خطاباتك الجاهزة لا سنيورا آليسون أنا لست غبياً لقد رأيت أمثالكِ من قبل يأتي الجميع بوعود كبيرة ثم يتركون المجتمع كما كان أو حتى أسوأ مما كان عليه أما عن بناء المستقبل فأنا لا أحتاج لهذا الى الآن لم تحاولي أقناعي بالموافقة عروضكم مجرد عروض تافهة لا أهمية لها

شعرت بالإهانة تتسلل إلى صوتي لكنني حاولت السيطرة على انفعالاتي قلت بحدة :-

_ سيد غارسيا ربما يبدو لك أنني هنا لأقدم عروضاً تافهة لكن الواقع مختلف تماماً نحن لا نقدم وعوداً زائفة بل فرصاً حقيقية إذا كنتَ تعتقد أن كل من جاء قبلنا قد خذل هذه المدينة فهذا لا يعني أننا سنفعل الشيء نفسه لدينا خطط واضحة ومدروسة ونحن مستعدون لتحمل المسؤولية الكاملة عن نجاحها .

ابتسم مرة أخرى لكن ابتسامته كانت مليئة بالسخرية والاستهزاء قال بصوت هادئ ولكنه حاد :-
_ همممم ... الخطط الواضحة والمدروسة ... كم هذا رائع لكن اسمحي لي أن أسألك سؤالاً واحدًا فقط هل هذه الخطط الواضحة تشمل الأشخاص الذين سيعانون عندما تنتهون من استنزاف كل شيء هنا وتغادرون؟ لأن هذا هو ما يحدث دائماً تأتون بأحلامكم الكبيرة وتبنون مشاريعكم الضخمة ثم تتركون الناس وراءكم محطمين أتعلمين لماذا؟ لأنكم لا تهتمون إلا بأنفسكم .

توقفت للحظة غير قادرة على الرد مباشرة كلماته كانت مثل سهام تصيبني في نقاط ضعفي شعرت بأنني أفقد السيطرة على النقاش لكنني لم أستسلم قلت بصوت مرتفع :-
"نحن لا نسعى لتدمير أي شيء نحن نسعى لإعادة بناءه بشكل أفضل إذا كنت تخشى على الطبيعة أو المجتمع فلدينا خطط لحمايتهما لكن يبدو أنك لا تريد حتى الاستماع أو النظر إلى الحقائق .

رد علي بابتسامة باردة ونبرة مليئة بالتحدي :-

_ الحقائق؟ حقائقكِ هي مجرد كلمات على الورق سنيورا آليسون أنتِ تتحدثين وكأن لديكِ كل الإجابات لكن الحقيقة هي أنكِ لا تعرفين شيئاً عن هذه الأرض ولا عن الناس الذين يعيشون عليها أنتِ مجرد شخص آخر يحاول استغلال ما يمكنه استغلاله ثم يترك الفوضى وراءه .

حاولت تهدئة نفسي وغضبي تحت قناع البرود مدركة أنني بحاجة إلى استخدام كل الأدوات والاستراتيجيات المتاحة لتحقيق ما أسعى إليه كنت أعلم أنني يجب أن أغير لهجتي وأظهر له جانباً آخر من خطتنا جانباً يصعب عليه رفضه أو التشكيك فيه ابتسمت بثقة مصطنعة وقلت بصوت هادئ ولكنه حازم :-

_ سيد غارسيا اسمح لي أن أوضح لك نقطة ربما لم تأخذها في الاعتبار من قال إننا لا نخطط لتعويض الناس الذين يعيشون على هذه الأرض؟ أولًا دعني أذكرك بأن عدد السكان في هذه المنطقة ضئيل للغاية وهذا يعني أن التعامل معهم سيكون أكثر سهولة وعدلاً ثانياً لدينا مشروع طموح يتمثل في بناء مجمع سكني حديث بالقرب من هذه الأرض وهو ليس مجرد مجمع سكني عادي بل مكان يوفر مستوى معيشياً أفضل بكثير مما هو موجود الآن .

توقفت للحظة لأتأكد من أنه يستمع جيداً لكل كلمة أقولها ثم واصلت بثقة متزايدة :-
_ نحن نخطط لتقديم تعويضات شاملة لكل فرد من سكان هذه الأرض لن يكون مجرد نقل أو إزاحة بل إعادة توطين تحترم كرامتهم وتمنحهم حياة أفضل سيتم منح كل عائلة منزلًا باسمها في المجمع الجديد دون أي مقابل مالي ودون أي فوائد أو شروط معقدة هذه المنازل ستكون ملكاً لهم تماماً وسيتمتعون بكل الخدمات التي سيوفرها المجمع من مرافق تعليمية وصحية وترفيهية نحن هنا لا لنمحو تاريخاً أو نشرد أناساً بل لنقدم لهم فرصة جديدة للحياة بكرامة .

نظر إلي مباشرة وعيناه تلمعان بالشك والتحدي قال بابتسامة باردة مليئة بالسخرية :-
_ حقاً ؟ يا لها من خطة مثالية لكن اسمحي لي أن أسألك سؤالاً واحداً فقط هل تعتقدين حقاً أن الناس هنا سيرحبون بهذا النوع من " الكرامة " التي تتحدثين عنها؟ هل تظنين أنهم يريدون أن ينقلوا من أرضهم حتى لو كان ذلك إلى مكان يبدو أفضل على الورق؟ أنتِ تتحدثين وكأنهم لا قيمة لهم إلا إذا كانوا يعيشون في مبانٍ حديثة وكأن حياتهم الحالية ليست سوى مشكلة تحتاج إلى حل .

قلت دون تردد و بثقة لأشبك يداي على صدري ببرود و تحدي برفع حاجبي له :-

_ إذا كنت تهتم حقاً للسكان كما تدعي فدعني أوضح لك أمراً مهماً جداً هل تعلم عدد الذين يموتون في هذه الأرض بسبب الإهمال وغياب الخدمات الأساسية؟ طفلة صغيرة فقدت حياتها لأن سيارة الإسعاف تأخرت ساعتين عن الوصول إليها بسبب البعد والطرق السيئة رجل آخر توفي نزفاً في الطريق لأنه لم يتمكن من الحصول على المساعدة الطبية في الوقت المناسب وأطفال يضطرون يومياً لقطع مسافات طويلة للوصول إلى مدارسهم مما يحرمهم من فرص التعليم الجيد ويضع مستقبلهم في خطر هؤلاء الناس لا يملكون المال للانتقال إلى أماكن أفضل ولا يستطيعون ممارسة حياتهم اليومية إلا بصعوبة بالغة حياتهم هنا ليست مجرد " حياة " بل هي كفاح يومي من أجل البقاء .

توقفت للحظة لأتأكد من أنه يستوعب كل كلمة أقولها ثم واصلت بصوت أكثر حدة ووضوحاً :-
_ أما المجمع السكني الذي نخطط لبنائه فهو ليس مجرد مشروع عقاري إنه فرصة لتغيير حياتهم إلى الأفضل سيكون قريباً من المدينة مما يعني وصولاً أسرع إلى المرافق الصحية والمدارس والأسواق وكل ما يحتاجونه لن يضطر الأطفال بعد الآن للمشي لساعات تحت الشمس الحارقة للوصول إلى مدرستهم لن يفقد أحد حياته بسبب تأخر الإسعاف أو غياب الرعاية الطبية هذا ليس مجرد رفاهية أو تحسين بل هو ضرورة إنسانية نحن لا نقدم لهم شيئاً أقل من حقهم الأساسي في العيش بكرامة .

لكن كانت نظراته مثقلة و باردة و غير مهتمة لكن كانت مظلمة أيضا :-

_ إذن أنتِ هنا لإنقاذهم؟ يا لها من مهمة نبيلة لكن دعيني أسألك لماذا يجب أن أصدق أنكم ستوفرون لهم كل هذا؟ كيف يمكنني أن أثق بأن هذه الحياة الأفضل التي تعدون بها ليست مجرد وعد زائف سيتبخر بمجرد أن تحصلوا على الأرض؟

شعرت بالغضب يتزايد بداخلي لكنني حاولت السيطرة عليه و هذا مهلك جداً أن أسيطر على غضبي قلت بتحد واضح في صوتي :-
_ يبدو أنك مصر على رؤية الجانب السلبي فقط نحن هنا لنحدث تغييراً حقيقياً وليس لنكرر الأخطاء التي حدثت في الماضي إذا كنت تخشى على هؤلاء الناس وعلى أرضك فأنت حر في ذلك لكن لا تحرمهم من فرصة اتخاذ القرار بأنفسهم دعهم يختارون ما هو أفضل لهم .

نهض من مكانه ببطء وكأنه يمنحني لحظة لتقييم الفارق الهائل بيننا بدا جسده الضخم وكأنه يلتهم المساحة من حوله كتفاه العريضتان تبرزان كجبلين شامخين وعضلاته البارزة تشي بقوة هائلة قد تكون قادرة على سحق أي شيء يقف في طريقها كنت أبدو صغيرة للغاية أمامه لكنني لم أتراجع أو أخفض عيني التحدي هو طبيعتي والخوف لا يعرف طريقاً إلى قلبي ...

اقترب مني بخطوات ثابتة ومدروسة وكأنه يظهر لي أنه لا يخشى شيء ولا حتى فكرة المواجهة معي أنا أيضاً لم أزحزح عيني عن عينيه رغم أنني اضطررت لرفع رأسي قليلاً لأتمكن من النظر مباشرة إلى ملامحه الحادة والبارزة كانت نظرته تخترقني مليئة بالتحدي والسخرية لكنني لم أرتجف ...

وقف على بعد خطوة واحدة فقط قريب بما يكفي لأن أشعر بثقل وجوده وبعيد بما يكفي ليجعلني أدرك أنه لن يتراجع قال بصوت عميق وحاد، يحمل كل البرود الذي يمكن أن يحمله إنسان :-

_ حاولي تقديم عرض يرضيني في المرة القادمة... عروضكِ هذه لن تجدي نفعاً

توقف للحظة وكأنه يريد لكلماته أن تغوص في ذهني قبل أن يستمر و نظر لعيناي مباشراً ليواصل بذات النبرة :-

_ أنتِ لستِ الملاك الحارس الذي يحمي الناس كما تحبين أن تظني وأنا لست آلهة السلام التي يمكن أن تهزها كلماتكِ الجوفاء عرضكِ هذا لن يحرك دماغي ولو ببوصة واحدة .

ثم أضاف بنبرة أكثر حدة وكأنه يسحق الكلمات تحت قدميه :-
_ كل عروض الشركات التي سبقتكِ كانت ذاتها بل وأفضل منها بكثير ... ولن تهمني .

ابتسمت بثقة مصطنعة وكأنني أقول له دون كلمات أنني لست خصماً سهلاً :-

_ إذن يبدو أنك شخص يعتقد أنه يعرف كل شيء عن العالم...

قلت بصوت هادئ ولكنه مليء بالتحدي مع لمسة من السخرية :-

_لكن اسمح لي أن أخبرك بشيء واحد فقط ليس كل ما يلمع ذهباً وليس كل ما يبدو قوياً حقيقياً ربما تعتقد أنك لا تحتاج إلى أحد وأن هذه الأرض ستظل دائماً تحت سيطرتك ... لكن الزمن يثبت لنا جميعاً أن لا شيء يدوم للأبد .

رفع حاجبيه قليلاً وكأنه فوجئ بموقفي لكنه سرعان ما استعاد تعبيره البارد ثم انحنى قليلاً نحو الأمام بحيث أصبح وجهه على مقربة أكبر من وجهي وقال بنبرة مشبعة بالتهديد :-
_ الزمن؟ الزمن بالنسبة لي ليس سوى ريح عابرة أما أنتِ ... فأنتِ مجرد صوت آخر في صخب لا أطيقه إذا كنتِ تظنين أنكِ تستطيعين كسر إرادتي بكلماتكِ الرنانة فأنتِ مخطئة تماماً عروضك هذه لم تفي بالغرض و ليست ذات منفعة الصفقات الناجحة بين الشركات ليست مجرد تبادل للخدمات أو المنتجات بل هي فن تحقيق المصالح المشتركة عندما تكون العروض مدروسة وموجهة بدقة تعكس المصلحة الحقيقية لكل طرف أما أنتِ ..... أنتِ لم تبلغي مصلحتي بعد .


عقدت حاجبي في حيرة محاولة فهم ما يقصده بمصلحته التي لم أستطع الوصول إليها بعد كان هناك شيء غامض في كلماته وكأنه يخفي وراءها سراً لا يريد أن يكشفه بسهولة تمالكت نفسي ثم سألته بصوت هادئ لكنه مفعم بالتحدي :-

_ ما الذي تريده سيد غارسيا ؟

ابتسم هذه المرة لكن ابتسامته كانت مختلفة عن كل ما سبق لم تكن ساخرة أو باردة كما اعتدنا بل كانت تحمل لمسة من الغموض والتحدي نظر مباشرة إلى أعماق عيني وشعرت وكأن حدة عينيه وظلامهما يتسللان إلى داخلي مما جعل القشعريرة تسري في كامل جسدي ثم همس بنبرة ثقيلة وغليظة وكأن كل كلمة تنبعث من بين شفتيه تحمل وزناً لا يمكن تجاهله :-

_ هذا هو السؤال الذي يجب أن تستكشفي إجابته بنفسكِ يا سنيورا آليسون حاولي الوصول إلى مصلحتي الحقيقية وحينها ... سأكون على استعداد للتعاون .

توقفت الكلمات في حلقي للحظة وكأن الزمن نفسه قد تجمد شعرت بأنني أمام لغز معقد وأن كل كلمة يقولها هي مجرد قطعة صغيرة من صورة أكبر بكثير لكنني كنت أعلم أن التراجع ليس خياراً لي رفعت رأسي بثقة ونظرت إليه مباشرة رغم الإحساس الثقيل الذي بدأ يسيطر علي :-

_ إذن تريد مني أن ألعب لعبة الذكاء والتخمين معك؟

قلت بصوت يحمل لمسة من الاستفزاز :-

_ حسناً يا سيد غارسيا إذا كانت هذه هي طريقتك فأنا على استعداد لخوض هذا التحدي لكن تذكر... ليس كل الألغاز تبقى دون حل .

ابتسم مرة أخرى لكن هذه المرة كانت ابتسامته تحمل وعداً بالمواجهة :-

_ الأمر ليس مجرد لغز يا سنيورا آليسون إنه اختبار... اختبار لمدى ذكائك ومدى قدرتك على فهم ما يتجاوز العروض والأرقام .

ثم أضاف بنبرة أكثر حدة :-

_ واعلمي أنني لا أتعامل إلا مع من يستحقون ذلك .


شعرت بدمي يغلي لكنني كبحت مشاعري لن أعطيه فرصة ليرى مدى تأثير كلماته علي . أخذت نفساً عميقاً ثم قلت بنبرة حازمة ومليئة بالتحدي :-
_ حسناً يا سيد غارسيا سأكتشف ما تخفيه خلف هذه الكلمات الغامضة لكن تذكر ... عندما أجد الإجابة سيكون عليك أن تفي بوعدك .

تراجع خطوة إلى الخلف وكأنه يريد أن يمنحني مساحة للتفكير ثم قال :-

_ أنتِ محاربة شجاعة يا سنيورا آليسون لكن الشجاعة وحدها لن تكون كافية أثبتِ لي أنكِ تستحقين هذه الأرض... وأنا سأكون هنا .

قلت له بنضرات ذات نظراته الثاقبة و المتحدية :-
_ مهما كانت اللعبة التي تلعبها يا سيد غارسيا أنا سأفوز بها .

أبتسم بزاوية فمه ليتحدث بلهجته الأم اللهجة الإسبانية :-

Entonces, demuestra tu fuerza Estoy esperando ver lo que eres capaz de hacer، Señora Alison_

لم أفهم كلماته بدقة لأنني لا أعرف الإسبانية و لا أتكلم بها ، لكنني لم أكن بحاجة لذلك تعبير وجهه ونبرة صوته كانت كافية لتخبرني أنه يتحدى إرادتي وقدراتي شعرت بنبض التحدي يسري في عروقي لكنني أخفيت مشاعري خلف ابتسامة باردة واثقة كنت متأكدة من شيء واحد فقط هذه المعركة ستكون لي ولن أترك له أي فرصة للانتصار ...

قطع السيد غارسيا التواصل البصري بيننا وتوجه نحو مكتبه بخطوات ثابتة التقط ملفاً أسود اللون كان ملقى هناك ثم استدار باتجاه الباب قبل أن يخرج من الغرفة توقف للحظة وأدار رأسه نصف دورة ناظراً إلي من فوق كتفه بابتسامة باردة مليئة بالاستفزاز قال بكل برود :-

_ أعتقد أنكي تعرفين طريق الخروج ...

ثم أضاف بتلك اللهجة الإسبانية التي كانت كالسيف :-

Buena suerte para la próxima vez Señora Alison_

أغلق الباب خلفه، تاركاً وراءه فراغاً ظللت لبعض الوقت أحدق في المكان الذي كان يقف فيه قبل لحظات وكأنني أحاول استيعاب ما حدث للتو تنهدت بعمق شعرت بأن الهواء الذي كنت أتنفسه أصبح ثقيلاً ومحملاً بالتوتر تلك المقابلة كانت مشحونة بكل أنواع المشاعر الاستفزاز، الغضب، التحقير، وحتى القليل من الشك في النفس لم أستطع السيطرة على داخلي كما فعلت دائماً شيء في هذا الرجل يجعلني أفقد صوابي ببطء لكنني تماسكت بطريقة لا أعرف كيف

كلماته كانت كسيف حاد يخترق أعماقي لكنه كان يتحدث بها ببرود يثير الجنون شخصيته معقدة وغير واضحة على الإطلاق هو ليس مجرد رجل عادي بل يبدو وكأنه لغز محكم الإغلاق يصعب فك طلاسمه أو التنبؤ بتصرفاته كل قرار يتخذه يبدو وكأنه مصمم خصيصاً لإرباك الآخرين وإثارة غضبهم هذا النوع من الأشخاص سيجعل حياتي جحيم حقيقي إذا استمر الحال هكذا .

خرجت من الشركة وأنا غارقة في بحر من الأفكار المشوشة والمشاعر المتضاربة ضوء الشمس الساطع لم يكن كافياً لإزالة الغيوم التي تجمعت في عقلي شعرت بالانزعاج يتغلغل في كل خلية من جسدي وكأنه وزن إضافي لا يمكنني التخلص منه هذه المواجهة مع نيكولاس غارسيا لم تكن مجرد اجتماع عمل بل كانت معركة نفسية وكل كلمة قالها كانت تحمل رسالة ضمنية موجهة إلي ...

سرت بسرعة و بخطوات ثابتة نحو سيارتي التي كانت تنتظرني عند بوابة الشركة أدريان كان يجلس بهدوء خلف المقود يراقبني بنظرات حذرة بينما أقترب فتح لي الباب بمجرد أن وصلت وكأنه أدرك حالتي دون أن أقول كلمة واحدة جلست في المقعد الخلفي وأغلقت الباب بقوة أكبر مما كنت أعتزم مما أصدر صوتاً مدوياً عبر المقصورة.

نظرت نحو النافذة عيناي تحدقان في الخارج دون تركيز حقيقي صور كلماته كانت تمر أمامي كشريط لا يتوقف كل واحدة منها تحمل قدراً من الاستفزاز والتحدي شعرت بأنها تتردد في ذهني بصدى مزعج وكأنها تحاول أن تستقر هناك لتذكرني بثقل الموقف الذي مررت به لاحظ أدريان انزعاجي ليهمس بصوت خافت ومتحفظ :-

_ هل أنتي بخير سيدتي ؟

انتزعني صوته من دوامة أفكاري التفت نحوه لثواني لكنني لم أستطع أن أجيبه مباشرة كيف يمكنني أن أشرح له ما أشعر به الآن؟ أنا منزعجة، غاضبة، ومشوشة في آن واحد مشاعر متضاربة تتصارع داخل صدري وكل واحدة منها تحاول أن تأخذ مكانها في الضوء تنهدت بعمق وأحضرت يدي إلى جبيني فركت ببطء بين حاجبي في محاولة لإزالة التوتر الذي استوطن رأسي بعد لحظات من الصمت قلت بصوت هادئ :-

_ أجل أدريان أنا على ما يرام ... دعنا نعد للشركة .

لم يسأل أكثر كان يعرف متى يتحدث ومتى يصمت أومأ برأسه باحترام وقال بكلمة واحدة فقط ولكنها كانت تحمل كل المعاني التي يحتاجها الموقف :-

_ حاضر .

في طريق العودة بدأت أعيد ترتيب أفكاري لم يكن هناك مجال للضعف يجب أن أكون أقوى وأكثر ذكاء في التعامل مع هذا الرجل سأحتاج إلى استراتيجية جديدة شيء يجعلني أتقدم خطوة أمامه دائماً ربما ليس اليوم وليس غداً لكن في النهاية سأجعله يوافق على عرضي هذا و سأجعله يوقع على عقد الشراكة التي ستحدث بيننا لست من يستسلم من أول محاولة و لن أستسلم لأن الأمر أصبح يخص كرامتي أيضاً و عقليتي هو يحاول اللعب بطريقته لكن سأجعله في النهاية يلعب على طريقتي لعبته هذه لن تدوم الى النهاية فلكل لعبة نهاية و شخص واحد فائز ....

دخلت إلى البهو الرئيسي لأجد والدي وميشيل يودعان أحد الشركاء البارزين في مناقصة ما توقفت للحظة عند المدخل وأخذت نفس عميق .... حقاً هذا هو آخر شيء كنت أحتاجه الآن اللعنة ليس الآن ... لا أريد أن أواجه والدي أو أن أتحدث عما حدث معي اليوم

لكن لا مفر فالجميع هنا ولا يمكنني الانسحاب دون أن يلاحظني أحد توجهت ببطء نحو المجموعة التي تقف بالقرب من المصاعد رجل الأعمال السيد كارتر لمحني قبل أن أصل إليهم فانطلق بابتسامة عريضة على وجهه وقال بصوت مليء بالود والمجاملات :-

_ أوه آنسة آليسون ... لقد كان الاجتماع مملًا للغاية دونك .

نظرت إليه بنظرة هادئة ولكنها حادة وكأنني أقيس كلماته قبل أن أرد عليها مددت يدي نحوه بأدب لكن ابتسامتي كانت شبه متكلفة تحمل بين طياتها قليلًا من البرود صافحته برفق ثم بدأت أرد عليه بلغة ساخرة ولكن بطريقة غير مباشرة :-
_ سيد كارتر دائماً ما تكون كلماتك مليئة بالمجاملات الرقيقة لكني أشك في أن أي اجتماع قد يكون مملاً مع وجود شخصية مثل شخصيتك الطاغية .

رمش الرجل بعينيه للحظة وكأنه لم يتوقع أن تكون إجابتي بهذا الشكل ضحك بصوت عالٍ لكن نظرته كانت تحمل شيء من التقدير الممزوج بالاستفزاز الخفيف رد قائلاً :-
_ آنسة آليسون دائماً ما تعرفين كيف تضيفين الحماس لأي موقف ربما علينا أن نجعل وجودك شرط أساسي في كل اجتماعاتنا المستقبلية أنتي جميلة و رائعة سيكون الأجتماع رائع بوجودك

ابتسمت ببرود وقلت بنبرة هادئة ولكنها تحمل في طياتها رسالة واضحة :-
_ سيد كارتر قد يكون من الممتع أن أعتبر مصدر إلهام للحماس كما تقول لكنني أخشى أن هذا سيكون مرهق جداً بالنسبة لي فأنا لا أستمتع بأن أكون مجرد عنصر زخرفي في الاجتماعات حاضرة فقط لجذب الأنظار أو لإضفاء لمسة من الجاذبية على المشهد لدي أولويات وأعمال تتطلب تركيزي الكامل وأعتقد أن الوقت الذي سأقضيه هنا يمكن استثماره بشكل أفضل بعيداً عن هذه ... المجاملات السطحية

شعرت بنظرات والدي وميشيل تتجهان نحوي، وكأنهما يحاولان قراءة ما يدور في ذهني. كنت أعلم أن كلماتي قد تكون حادة بعض الشيء، لكنني لم أكن في حالة تسمح لي بالمجاملات الفارغة.

قطع والدي الصمت المكهرب بيننا بصوت شبه حاد :-

_ أيلين ...

نظرت له هذا بمعنى أن أتوقف عن الحديث و أن لا أتابع ما يجول في عقلي لأن في عقلي أريد أن أمسح بوجهه المثير للأشمئزاز الأرض بأسرها .... السيد كارتر رغم ارتباكه الواضح، حاول أن يرد بابتسامة دبلوماسية :-
_ أوه آنسة آليسون يبدو أنني أخطأت في التعبير لم أقصد أن أبدو سطحي فقط ... أحببت الأجواء التي تضفيها عندما تكونين حاضرة .

رفعت حاجبي ببطء وكأنني أقيس كلماته قبل أن أرد عليه :-
_ أشكرك على كرمك سيد كارتر لكنني أفضل أن أترك الانطباعات تعتمد على العمل وليس على الحضور فقط إذا كان هناك شيء يمكنني المساهمة به فعلياً فأنا على استعداد تام أما مجرد التواجد كزينة ... فلا أعتقد أنه يناسب طموحاتي .

ابتسم السيد كارتر بتوتر ثم قال وهو يرفع يديه في إشارة استسلام خفيفة :-
_ بالطبع بالطبع أنتِ محقة تماماً أقدر صراحتكِ ووضوحكِ .

غادر السيد كارتر بسرعة محاولاً الحفاظ على ما تبقى من كرامته التفت نحو والدي الذي كان يحدق في بحدة بينما كنت غارقة في حالة من الانزعاج الشديد جراء اللقاء المستفز مع نيكولاس لم أعر اهتماماً لنظراته الحادة التي كانت تخترقني وكأنها تحاول استخلاص الإجابة دون كلمات حاول ميشيل تلطيف الأجواء بصوته الهادئ فنبس بتنهيدة خفيفة ثم قال :-

_ حسناً أيلين ... ما الذي حدث في مقابلتك مع نيكولاس؟ لا يبدو أن الأمور سارت كما خططنا من الانزعاج الواضح على وجهك .

عقدت حاجبي وضغطت شفتي قليلاً ثم التفت نحو الفراغ وأنا أراقب الموظفين هنا وهناك وكأنني أبحث عن إجابة بين الفوضى التي تدور حولي أخيراً نطقت بكلمات ثقيلة :-

_ لقد رفض

سمعت أبي يتلعثم بغضب وهو يهمس بين أسنانه المشدودة محاولاً كبح غضبه :-

_ اللعنة .

أما ميشيل فقد أطلق تنهيدة يائسة قبل أن يقول :-

_ ما الذي سنفعله الآن عمي .

نظرت إلى أبي في انتظار رد فعله لم أخبره بالتحدي الذي وضعته بيني وبين نيكولاس لم أكن أرغب في النظر بعيداً للمستقبل في هذه اللحظة كنت بحاجة لفهم نقاط ضعف نيكولاس أولاً ولابد أن أتأكد من فوزي قبل أن أطلع والدي على كل شيء قال والدي وهو ينظر إلى الأرض حاجباه معقودان بشدة :-

_ هذا الرجل لا أفهم ما الذي يفكر به أو يخطط له هو رجل أعمال و يعقد صفقات كثيرة و حتى مع الشركات الأقل منه مستوى أن كان الصفقة رابحة سيخوضها دون أي تردد نحن عرضنا عليه صفقة كبيرة لا أفهم ما الذي يريده بالضبط لماذا هو مصر على أن تبقى الأرض على حالها .

تدخل ميشيل وهو يعدل نظارته الطبية قائلاً :-

_ الموقع استراتيجي للغاية بالإضافة إلى أنه يطل على الساحل الرئيسي صحيح أن الطريق بعيد بعض الشيء لكن يمكننا بسهولة التفاوض مع شركة الطرق لتوفير كافة الخدمات اللازمة للفندق سيكون هذا الفندق ثاني أفضل خيار للمسافرين والسياح على حد سواء .

أومأت برأسي ثم أضفت بصوت هادئ :-

_ حتى أنني قدمت له عرضاً يجعل السكان المحليين الذين يعيشون في تلك الأرض يتمتعون بحياة كريمة داخل المجمع السكني الذي سننشئه كنت واثقة تماماً أن الناس سيوافقون على هذا العرض القيم لكنه رفض دون أي تردد .

أطلق والدي شتيمة هامسة وهو يفرك صدغه بيده ثم التفت إلي بنظرات مشدودة :-

_ هل رفض بطريقة قاطعة ؟ بكلمة واحدة؟ أم ما الذي حدث بينكم ؟

رفعت كتفي بلا مبالاة وأجبته ببرود يخفي الغضب الداخلي :-

_ لم أرى رجل أكثر استفزازية منه على الأطلاق .

توقفت للحظة وأخذت نفس عميق قبل أن أضيف ببطء وكأنني أختار كلماتي بعناية :-
_ لم يكن مجرد رفض عادي ... لقد كان يتعمد المراوغة يتحدث بغموض وكأنه يلعب لعبة ذكية كل كلمة قالها كانت تحمل طابع من التعالي والاستهزاء وكأنه يستمتع برؤيتي وقد فقدت السيطرة أمامه .

نظر والدي إلي بنظرات مشدودة حاجباه معقودان بشدة بينما تداخل ميشيل قائلاً بحذر :-
_ هل تعتقدين أنه يحاول دفعنا إلى اتخاذ خطوة غير مدروسة؟ ربما يسعى لجعلنا نقدم عرض أكبر أو حتى نكشف عن نقاط ضعفنا؟

نظرت الى ميشيل و أنا كنت أحاول تحليل الأمور التي دارت بيني وبين نيكولاس أثناء ذلك الحديث المستفز الذي لم يكن سوى لعبة نفسية مزعجة بدأت أشرح بصوت هادئ ولكن مفعم بالتأمل :-

_ لا أعتقد أنه يسعى فقط لدفعنا نحو تقديم عرض أكبر ... هناك شيء آخر شيء خفي لا أستطيع فهمه بالضبط على الرغم من أن نيكولاس رجل أعمال ناجح ومحترف إلا أنني أشعر بأنه يتصرف بغباء فيما يتعلق بهذا المشروع تحديداً أو ربما...

توقفت للحظة، وأكملت بنبرة أقل ثقة :-

_ ربما أنا فقط أتوهم قد يكون الأمر مجرد مخطط لجذب الشركات المنافسة إلى تلك الأرض ومن ثم يصبح الهدف هو من يفوز بالمزايدة في النهاية .

نظر والدي إلي ببرود لكن عينيه كانتا تلمعان بثقة حازمة قال بصوت هادئ ولكنه يحمل قوة لا يمكن إنكارها :-

_ لا نيكولاس يعرف تماماً ما يريد وهو ينتظر الفرصة لاستغلالها استغلالاً فضيع هناك شيء يدور في عقله وعلينا أن نكتشف ما يفكر فيه هذه الشراكة ليست مجرد صفقة بالنسبة لنا إنها ضرورة استراتيجية .

قال هذا و هو ينظر لي و لميشيل بثقة و برود أنه يريد هذه الأرض مهما كلفه الأمر أنه يريد أن يبني الفندق هناك لا أعلم ما السر وراء هذا لكنه مصر على هذا :-

_ علينا أن نحصل على هذه الأرض بأي شكل. هذا الفندق يجب أن يُبنى هناك، ولا أريد أي عذر أو تأخير ، سنجد حل مهما كان الثمن .

تبادل ميشيل وأنا نظرات صامتة وكأننا نحاول استيعاب كلمات والدي التي كانت تحمل رسالة واحدة واضحة لن نستسلم أومئنا كلانا بنفس الوقت بالموافقة ليذهب الى دون قول أي شيء التفت نحو ميشيل الذي كان لا يزال ينظر إلي ثم رفع كتفيه بعدم اكتراث وقال :-

_ و الآن يبدو أننا في معركة حقيقية .

أبتسمت له بهدوء وقلت بنبرة ساخرة قليلاً :-

_ يبدو أن شعر أبي سيتحول بالكامل إلى اللون الأبيض إذا واصل التعامل مع نيكولاس بهذه الطريقة .

ضحك ميشيل ضحكة خفيفة لكنها كانت رنانة ومميزة كما اعتدت منها دائماً وضع يديه في جيوب بنطاله بثقة ونظر إلي بابتسامته العطوفة التي اعتدت عليها منذ زمن طويل وقال :-

_ أجل أنتِ محقة تماماً دعينا نحتسي فنجان من القهوة وحدثيني عن ذلك الرجل الجليدي ... ماذا قال لكِ بالضبط؟ كنت خائف عليك حقاً .

نظرت إليه بنظرة مطمئنة وأجبته بصوت يحمل الهدوء :-

_ أخبرتك أن لا تقلق علي لم أعد صغيرة ميشيل .

ابتسم لكن ابتسامته هذه المرة كانت تحمل لمحة خفيفة من الحزن وكأنه يتذكر شيء بعيد في ذاكرته ثم قال بحنو واضح :-

_ أنتِ على حق ... لقد كبرتِ حقاً لكن متى حدث ذلك؟ يا للهول متى كبرتِ بهذه السرعة يا صغيرتي؟

تباً .... شعرت بتلك الكلمات تخترقني بعمق لكنني حاولت إخفاء ذلك تحت غطاء من البرود داخل عقلي كان هناك صوت يقول "اللعنة ... لو أستطيع أن أقول له كل شيء ليتني لم أكبر وليتني بقيت صغيرة ليتني أبقى دائماً تلك الطفلة التي يهتم بها ويحميها من كل شيء " لكنني أدركت أن الحياة ليست كذلك كل شيء بدأ يؤلم الآن وكل شيء أصبح أكثر تعقيداً وإرهاقاً ...

ابتسمت له بمحاولات مستميتة لإخفاء مشاعري الحقيقية وقلت بنبرة خفيفة ومزحة صغيرة :-

_ تتحدث وكأنك أصبحت عجوز كبير ، هيا لا تتحدث بهذه الطريقة أنا لا زلت كما أنا دعنا نذهب لنحتسي القهوة وهذه المرة أنت من ستعزمني في مكتبك الخاص .

أبتسم وظهرت أسنانه البيضاء اللامعة مثل اللؤلؤ وهو يجيب :-

_ حسناً، حسناً يا آنسة برعم الكوارث دعيني أعزمك في مكتبي وسأقدم لكِ من أجود أنواع قهوتي الخاصة .

قلبت عيني بسخرية واضحة وأنا أبتسم وأردف :

_ حسناً توقف عن إذلالي بعزيمتك هذه

ضحك بصوت عالي ومريح بينما كنا نتجه نحو المصعد التفت إليه وقلت بنبرة مازحة ولكنها تحمل لمسة من الجدية :-
_ على فكرة إذا كنت ستدعوني إلى مكتبك الفاخر هذا فأريد وعداً بأن تكون القهوة جيدة حقاً لا أتحمل أن أكون ضحية أخرى لأحد تجاربك الفاشلة في تحضير المشروبات .

أجابني وهو يضع يده على صدره وكأنه مجروح و قال بحزن مصطنع :-
_ آنسة أيلين كيف يمكن أن تقولي هذا؟ هل شككتِ يوماً في جودة قهوتي؟ إنها الأفضل على الإطلاق وستشهد بنفسك اليوم .

وصلنا إلى مكتبه وكان الجو فيه دافئ ومريح جلسنا حول الطاولة الصغيرة في الزاوية حيث كانت القهوة جاهزة بالفعل صب لي فنجاناً وجلس أمامي بابتسامة دافئة بعد رشفتي أولى نظرت إليه وقلت :-
_ حسنًا، ليست سيئة ... لكنها ليست الأفضل أيضاً

رفع حاجبيه بدهشة وقال :-
_ حقاً ؟ يبدو أن ذوقك أصبح أكثر تطلباً مع مرور الوقت .

ضحكت بصوت عالٍ وأضفت:
_ أصبحت أكثر دقة وتحكم في اختياراتي للقهوة تعلمت كيف ألاحظ أدق التفاصيل فيها .

همهم ميشيل بابتسامة هادئة وهو يرتشف قهوته بهدوء ثم قال :-

_ نعم أعلم هذا جيداً والآن أخبريني بما حدث معك في مقابلتك مع نيكولاس .

أدرت ببصري بانزعاج فكلما أتذكر مقابلتي معه أنزعج بشدة أرحت ظهري على المقعد المريح و وضعت قدم فوق الأخرى و عقدت بيدي الى صدري تأففت :-

_ لقد كانت مليئة بالانزعاج هذا الرجل حقاً مستفز لا أعلم كيف يتحمل نفسه حتى أيوووو لقد استفزني كثيراً لا أعلم كيف سيطرت على نفسي أمامه لولا الصفقة التي يريدها والدي بهذه الشدة لما تعاملت معه على الأطلاق اللعنة .

كان ميشيل ينظر إلى فنجان قهوته في تفكير عميق قبل أن يرد :-

_ أن الجميع يهابونه هل تعلمين هذا و هو لا يرحم في صفقاته و لا يهتم لأي أحد و الكثير من الأشخاص الذين تعرضو للأفلاس بسببه و أيضاً لا يهمه أي أحد يستفز الجميع و برودة أعصابه تجعل الشخص المقابل يستشيط غيضاً و غضباً لهذا أخبرتك أن لا تذهبي و لكنك أصررتي و أيضاً كنت قلق عليكِ لكي لا يمسك بسوء .

_ و هل أنا ضعيفة لأسمح له بأن يمسني حتى هذا سيجلب له الجحيم

أبتسم ميشيل بنعومة و هز رأسه بالموافقة :-

_ بالطبع، هذا صحيح أنتِ قوية وقادرة على مواجهة أي شيء .

جلسنا أنا وميشيل نحتسي القهوة وندور في مواضيع مختلفة عن العمل عن الحياة وعن آخر الصفقات التي حققت نجاحات باهرة كانت لحظات من الهدوء بعد العاصفة التي شعرت بها خلال المقابلة .

بعد انتهاء الجلسة عدت إلى مكتبي وأغلقت الباب خلفي جلست على الكرسي أخذت نفس عميق ثم فتحت ملف العمل الذي كنت أعمل عليه قبل المقابلة مع نيكولاس كان علي الآن أن أركز وأن أضع مشاعري جانباً الحرب قد بدأت ولن أتراجع .

لكن هذه المرة لن أتحرك بلا تخطيط فتحت درج مكتبي وأخرجت دفتر صغير بدأت أدون فيه كل ما حدث خلال المقابلة وكل كلمة قالها نيكولاس كنت أبحث عن نمط عن نقطة ضعف عن أي شيء يمكنني استخدامه ضده .

.

.

.

.

( نيفين )

.

.

.

بعد المحادثة التي دارت بيني وبين أيلين قررت أن أبدأ العمل على الرواية التي لطالما تمنيت كتابتها بشخصيات تحمل بصمتي الخاصة مر أسبوع كامل وأنا أحاول نقل الأفكار الجميلة التي رسمتها في ذهني إلى الورق لكنني وجدت نفسي عالقة عند نقطة معينة منذ يومين لم أستطع تجاوز ذلك الجزء الذي يتناول الحب المتبادل بين البطل والبطلة.

الحقيقة أنني لا أعرف كيف أكتب المشاعر الرومانسية أو تلك الكلمات التي تعبر عن العمق العاطفي بين شخصيتين أنا لم أختبر الحب في حياتي الواقعية ولم أشعر بتلك المشاعر التي كثيراً ما توصف بأنها قادرة على تغيير العالم بأكمله كل الرجال الذين حاولوا الاقتراب مني لم أمنحهم أي اهتمام كنت دائماً أبتعد عنهم وكأن هناك حاجز غير مرئي يحول دون السماح لأي مشاعر بالدخول إلى قلبي .

جلست أمام شاشة الحاسوب أحدق في الصفحة البيضاء التي كانت تنتظر كلماتي كنت أريد لهذه الرواية أن تكون مختلفة أن تكون النهاية التي أحلم بها لكنني شعرت بالعجز عندما حاولت التعبير عن تلك المشاعر الحقيقية التي يجب أن تربط البطل والبطلة كيف يمكنني أن أكتب عن الحب وأنا لم أعشه؟

حاولت أن أتخيل وجهة نظر الرجل أن أكتب كما لو كان هو من يتحدث لكنني فشلت لم أستطع أن أجسد مشاعره أو أن أعبر عنها بصدق أنا لم أتحدث كثيراً مع الرجال وحتى زملائي لم يكونوا قريبين من الشخصية التي تخيلتها للبطل في روايتي شخصيتي المفضلة بينما الواقع الذي عشته كان جاف وبعيد عن هذه المشاعر .

جلست أفكر طويلاً وأدركت أنني إذا أردت أن أكتب شيء حقيقي فعلي أن أبحث عن مصدر آخر للإلهام لكن السؤال الذي ظل يراودني هو من أين سأجد هذا الإلهام وأنا التي رفضت كل شيء وكل شخص؟ لم أهتم لأي أحد ولم أشعر بأن هناك شيء يستحق وقتي أو عواطفي بدأت أشعر بالتعاسة تتغلغل في أعماقي أكثر فأكثر .

شخصيتي المفضلة كانت مثالية إلى حد بعيد منذ ست سنوات عندما بدأت قراءة أعمال تلك الكاتبة وقعت في حبها ليس فقط كقارئة بل كمنارة تضيء لي طريق مليء بالمشاعر والحب العميق كنت أنتظر أجزاء الرواية بفارغ الصبر على أحر من الجمر وكنت أعيد قراءة السلسلة مراراً وتكراراً حتى أصبحت صفحات الكتب رثة من شدة الاستخدام .

تنهدت بحزن عميق وأغمضت عيني لحظة ثم همست لنفسي " كيف سأكمل نهاية رواية لا أعرف مشاعرها؟ كيف سأعبر عن الحب وأنا لم أخض أي تجربة فيه؟"

أصبح لدي ذوق معقد جداً في الرجال بسبب ما قرأته من روايات وقصص كنت أبحث عن الكمال عن الرجل الذي يشبه شخصيتي المفضلة و أجعله الالهام بالنسبة لي لكن الواقع كان دائماً مختلف ومخيبا للآمال لم أرد أن أقع في حب رجل عابر ولم أستطع إيجاد من يلامس ولو جزء بسيط من توقعاتي . وضعت يدي على خدي وأنا أنظر بتعاسة نحو حاسوبي المحمول الذي ظل أمامي دون أن أنجز شيء كنت في مكتبة الجامعة غارقة في أفكاري عندما اقتربت صديقاتي وجلسن معي على الطاولة نفسها تاتيانا نظرت إلي بقلق وقالت :-

_ نيفين ؟ لماذا تبدين بهذا الحزن الشديد؟ يبدو وكأنكِ انفصلتِ للتو عن حبيبك .

ابتسمت بمرارة وقلت :-

_ لا يوجد حبيب لأفترق عنه يا تاتيانا المشكلة هي أنني لا أستطيع حتى أن أتخيل وجوده كيف يمكنني أن أكتب عن الحب وأنا لم أختبره؟ كيف سأعبر عن مشاعر لا أعرفها؟

تحدثت سارة بنبرة حازمة وهي تنظر إلي بعبوس :-

_ ما زلتِ تحاولين تغيير نهاية الرواية؟ هيا يا نيفين لا تنطقي بالحزن هكذا الأمر ليس بهذه الصعوبة .

تأففت بقوة ونفخت خدي بتصرف طفولي تلك العادة التي ألجأ إليها دائماً عندما أشعر بالانزعاج أو عندما لا يعجبني الحديث :-

_ سارة أنتِ لا تفهمين ما تعني لي هذه الشخصية إنها ليست مجرد شخصية في رواية هي أكثر من ذلك بكثير إنها قريبة إلى قلبي بل هي جزء مني أنا أعشقها كل ما أحتاجه هو الإلهام لأفهم كيف يكون الحب الحقيقي .

تدخلت آنا و هي تنقر بهاتفها لشيء ما :-

_ أنتِ تحتاجين الى حبيب لتفهمي مشاعر الحب على الرغم من أنك تقرأين الكثير من الكتب عن الحب ألا أنك لا تعرفين كيف تكون مشاعر الحب يا للسخرية نيفين أنتِ حقاً فاشلة في فهم مشاعر كهذه على الرغم من سهولتها .

وضعت هاتفها جانباً وأطلقت ابتسامة داعمة نحوي وقالت :-

_ حسناً لدي فكرة قد تخرجك من حالة الاكتئاب هذه لماذا لا نخرج الليلة إلى النادي؟ نرقص نحتسي بعض المشروبات ونمرح معاً كفتيات لننسى الهموم ولو لبعض الوقت .

صفقت سارة بحماس على الفكرة وقالت بمرح :-

_ أجل أنها فكرة جيدة لقد كان هذا الأسبوع مشحون بالامتحانات اللعينة و الأساتذة المملون و المحاضرات و الدراسة الشديدة دعونا نرفه عن أنفسنا قليلاً .

نظرت تاتيانا نحوي وقالت بابتسامة دافئة :-

_ نعم نيفين هن على حق هيا بنا نخرج الليلة غداً هو عطلة نهاية الأسبوع وسيكون من الجميل أن نستمتع قليلاً لا تخافي نحن لا نفعل أي شيء غير مسؤول .

أغلقت حاسوبي المحمول ونظرت إليهن بتردد لحظة قبل أن أقول :-

_ دعوني أذهب إلى المنزل أولًا لأرتاح قليلاً وأخبر عائلتي بأنني سأخرج سنلتقي عند البوابة الرئيسية للنادي .

عدت إلى المنزل وأنا أحاول التفكير فيما إذا كانت هذه الخطة ستساعدني أم لا لم أكن من النوع الذي هتم في النوادي أو الأجواء الصاخبة كثيراً لكني شعرت بأنني بحاجة إلى استراحة من كل ما يدور في ذهني و أن أرفه عن نفسي قليلاً بعد أن أخبرت عائلتي بأني سأخرج مع صديقاتي وجدت اعتراض من أبي قليلاً لكن أمي قالت له أنني سأكون بخير و أيلين لم تدعني أذهب دون أن آخذ أدريان معي هو حارسها الشخصي جداً و لا تثق سوى به لم يكن يهمني أن كان متواجد معي أم لا لأنني سأذهب لأرفه عن نفسي فقط و أن أرقص و أتسلى ... توجهت سريعاً إلى غرفتي لأجهز نفسي .

استحممت و ارتديت فستان أسود اللون و كان ذراع الفستان نصف عارية بشكل جميل و قصير يصل الى منتصف فخذي لكني ارتديت لباس داخلي يغطي نصف فخذي يكون بذات طول الفستان للأمان فتحت شعري الذي كان يصل الى كتفي و قليل أسفله و كان أشقر على بني جميل و رياضي أسود اللون و غادرت المكان في الساعة ال9 ليلاً

عند البوابة الرئيسية للنادي وجدت صديقاتي في انتظاري كانت أجواء المكان مليئة بالطاقة والموسيقى الصاخبة دخلنا معاً و أدريان وقف بحراستي لكن من بعيد لكي لا يزعجني كما طلبت أيلين وبدأت الموسيقى تغمر المكان برقصاتها المبهجة في البداية كنت أجلس على الها...

عند البوابة الرئيسية للنادي وجدت صديقاتي في انتظاري كانت أجواء المكان مليئة بالطاقة والموسيقى الصاخبة دخلنا معاً و أدريان وقف بحراستي لكن من بعيد لكي لا يزعجني كما طلبت أيلين وبدأت الموسيقى تغمر المكان برقصاتها المبهجة في البداية كنت أجلس على الهامش أراقب الجميع و بعدها أنظممت الى الفتيات و كنا نرقص و نضحك و نبتهج بزاوية فقط لنا و لم نحتسي الخمر ليس لأن عائلاتنا لم يوافقو هذا كان توافق بيننا فكل واحدة شربت عصير مختلف عن الأخرى بالنكهات التي نحبها ...

بعد فترة من الرقص المتواصل شعرت بالإرهاق وجلست على أحد المقاعد الجانبية لأستريح بينما كانت صديقاتي لا يزلن يحملن طاقة لا تنضب بدأت أتأمل الأشخاص من حولي كنت أحاول البحث عن مصدر إلهام في هذا المكان لكن الأمر بدا لي أكثر صعوبة مما توقعت كيف يمكنني أن أجد الإلهام هنا بين هذه الأجساد الراقصة والإيقاعات الصاخبة؟ و التي لا تتناسب مع شخصيتي الروائية التي أحبها .

نظرت بعيداً لتجذب انتباهي شخصية دخلت النادي للتو بقيت أحدق به غير قادرة على تحديد ما الذي شعرت به في تلك اللحظة لكن شيء ما بدا واضح هذا الرجل كان يحمل كل المواصفات التي طالما تخيلتها في مخيلتي بنية ضخمة وعضلية تبدو وكأنها قادرة على سحقني إذا عانقني يوماً ذراعاه المليئتان بالوشوم كانتا واضحتين تماماً بسبب الأزرار الأولى من قميصه المفتوحة والتي كشفت عن عنقه الموشوم أيضاً ملابسه السوداء أضافت إلى هالته الغامضة وشعره المموج ذو التدرج الفريد بين الأسود والبني الفاتح أعطى انطباع بأنه شخص لا يمكن تصنيفه بسهولة.

فكه المنحوت المشدود بطريقة تشير إلى ثقته بنفسه وعيناه الحادتان والغامضتان جعلاني أشعر وكأنني أقرأ صفحة من رواية كنت أعشقها كان هو حقاً ... الشخص الذي يشبه البطل الذي طالما تخيلته نعم إنه بطل روايتي استطعت تمييز كل هذا رغم الأنارة خافتة في النادي لكن هو يجذب النظر بصورة فضيعة

بقيت أحدق به متجمدة في مكاني عاجزة عن الحراك أو حتى التنفس عقلي كان مشوشاً بشكل لا يصدق هناك رجلان وقف خلفه ورجل آخر بدأ يتحدث معه بهمس منخفض مما أضاف إلى الأجواء الغامضة التي تحيط به بدا أن الأمر جدي للغاية ولم يكن هناك أي إشارة إلى أنه جاء هنا ل...

بقيت أحدق به متجمدة في مكاني عاجزة عن الحراك أو حتى التنفس عقلي كان مشوشاً بشكل لا يصدق هناك رجلان وقف خلفه ورجل آخر بدأ يتحدث معه بهمس منخفض مما أضاف إلى الأجواء الغامضة التي تحيط به بدا أن الأمر جدي للغاية ولم يكن هناك أي إشارة إلى أنه جاء هنا للرقص أو الاستمتاع لم يكن يبدو كشخص عادي أبداً .

بعد لحظات تحرك نحو مكان ما داخل النادي ربما غرفة خاصة أو زاوية معزولة وهنا أدركت أنني فعلتها مرة أخرى تلك العادة السيئة التي تجعلني تتبع حدسي دون تفكير قدماي حملتاني خلفه قبل أن أتمكن من التفكير فيما أفعله كنت أعلم أن هذا التصرف قد يكون متهوراً لكن شيء ما بداخلي دفعني للمتابعة كنت أحاول أن لا أفقد أثره لكن المكان كان مملوء بالأشخاص الذين يرقصون أو يحتسون الشراب أستطعت التلص منهم لكني فقدت أثره كنت أبحث هنا و هناك و دخلت الى الأماكن التي لم أقترب منها من قبل داخل النادي الليلي شعرت باليأس أن أجده مرة أخرى و كأنه قعة سكر ذابت في كومة من المياه بقيت أتمشى هنا و هناك بحث عنه الى أن وصلت الى ممر لا وجود فيه للأشخاص فسمعت صوت خشن و غليض و قاسي جداً قال :-

_ خذوه من هنا .

عقدت حاجبي بفضول ولاحظت أن نهاية الممر تؤدي إلى منعطف آخر بدا لي أن الصوت الصادر عن الأبواب التي تفتح وتغلق قادم من هناك اقتربت بهدوء وأذناي متيقظتان لكل حركة أو صوت كان واضحاً الآن أن هناك بوابة في نهاية ذلك الممر .

ذهبت نحو المنعطف وأطللت برأسها بحذر شديد كانت عيناي تبحثان بين الظلال حتى التقطتا مشهد غريب الرجل الذي دخل قبل قليل كان يقف أمام بوابة ضخمة يبدو أنه وحده الآن بينما الشخصان اللذان كانا معه قد اختفيا خلف البوابة لحظة أخرى والتفت الرجل فجأة نحوي و كأنه شعر بوجودي لكن كيف لا أعلم .

تجمدت في مكاني تماماً وكأن الأرض ابتلعت كل طاقتي للحركة عيناه الغامضتان التقتا بعيني مباشرة وكأنهما سهما نافذان أصابا أعماقي شعرت بالوقت يتوقف والهواء حولي يصبح ثقيل اللعنة همست لنفسي ماذا علي أن أفعل؟ جسدي لم يستجب لأوامر عقلي وكأنه معلق بين الرغبة في الهروب والفضول الذي يدفعني للبقاء نظر إلي بثبات ثم قال بصوت حاد وخشن يجعل الأوصال ترتجف :-
_ عجباً الفئران الصغار كثرت في الآونة الأخيرة .

تلعثم لساني ووضعت يدي على صدري في محاولة لاستعادة أنفاسي شعرت بأن قلبي سيخرج من مكانه كنت أتنفس بصعوبة وكأن الهواء أصبح غير كاف بدأ بالتحرك نحوي بخطوات طويلة وسريعة وفي ثوان قليلة كان يقف أمامي عملاق ومهيب رفعت رأسي لأتمكن من النظر إليه فقد كان طويلًا وضخم البنية وكل تفصيلة فيه تعكس القوة والسيطرة .

بدأ يقترب مني و أنا قدماي تتخذ خطوات حذرة الى الخلف لكن الحائط كان لي بالمرصاد فقد أرتطم ضهري بالحائط دون سابق أنذار ليجد فرصته و يقرب أكثر و أكثر لم يبعد الآن بيننا سوى قدم واحدة و أنا أنظر له بقلق و رعب و فضول و كل شيء نظرت في عينيه مرة أخرى لكن هذه المرة بتحدي ممزوج بالخوف لم أستطع أن أتراجع أو أهرب وكأن شيء ما يجبرني على الوقوف في مكاني قال بصوت منخفض ولكنه مليء بالتهديد :-
_ لم أكن أتوقع أن يكون هناك فأر صغير هنا .... ولا أحب المتطفلين .

حاولت أن أجيب لكن كلماتي كانت عالقة في حلقي أخيراً تمكنت من قول شيء رغم ارتعاش صوتي :-
_ أنا... لم أقصد التدخل فقط... كنت أبحث عن ....

قاطعني بحركة بسيطة من يده وكأنه لا يريد سماع أي عذر ثم أمال رأسه قليلاً وقال بابتسامة باردة :-
_ عن ماذا؟ عن المشاكل؟ لأن هذا هو المكان الخطأ إذا كنتِ تبحثين عن الأمان .

شعرت بالتوتر يشتد داخل صدري لكنني حاولت أن أظهر بعض الجرأة أخذت نفس عميق وقلت بصوت أكثر ثبات مما توقعت :-
_ أنا لا أبحث عن مشاكل لقد اتبعتك فقط لأنني شعرت بالفضول ربما كان ذلك تصرف أحمق .

رفع حاجباً باستغراب وكأنه يدرس كلماتي بعناية ثم قال ببطء :-
_ الفضول يمكن أن يكون خطيئة قاتلة خاصة عندما يتعلق بأمور لا تخصك و الآن لماذا أتبعتني الى هنا يا صغيرة .

تجمدت للحظة عقلي يدور في دوامة من الأفكار المتضاربة بماذا أفكر الآن؟ اللعنة... لا أعلم الشخص الذي كنت أبحث عنه الإلهام الذي كنت أريده لروايتي كان يقف أمامي الآن بكل وضوح حتى كلماته المستفزة والتهديدية كانت تشبه تماماً بطل رواياتي كل شيء فيه كان يعكس الشخصية التي حلمت بها الغموض، القوة، السيطرة إنه مثالي... كالجحيم.

لكن في هذه اللحظة لم أشعر بالانبهار فقط بل بالخوف أيضاً نظراته الحادة كانت تخترقني وكأنها تستطيع قراءة كل فكرة تمر في ذهني شعرت فجأة بأنني أريد الهرب أن أبتعد عنه أن أترك هذا المكان وأعود إلى الأمان حاولت تهدئة وتيرة قلبي النابض بقوة لكن قبل أن أتمكن من التحرك اتخذ هو الخطوة .

بحركة واحدة سريعة أمسك بخصره وأطبق يديه حوله بقوة واضعاً إياي بينه وبين الحائط خرجت مني شهقة صغيرة دون أن أستطيع كبحها وعيناي اتسعتا بينما التقيتا بعينيه الحادتين كان يمسكني بإحكام ويده الأخرى مستندة على الحائط بجانب رأسي جسدي مرتطم بجسده الضخم قليلاً ولم أستطع سوى أن أبقى ثابتة مشدوهة غير قادرة على الحراك قال بصوت عميق وهادئ لكنه يحمل تهديد واضح :-

_ هل تحاولين الهروب دون أن تجيبيني يا صغيرة؟ لماذا لحقتِ بي؟ همم... أخبريني .

اقترب وجهه أكثر وكأنه يريد أن يقرأ الإجابة في عيني مباشرة استمر :-
_ أنا أنتظر إجابتك فلا تتوقعي مني أن أتركك تغادرين دون أن أجيب .

شعرت بأن الهواء أصبح أكثر ندرة حولي وأن كل كلمة كانت عالقة في حلقي كيف يمكنني أن أجيبه؟ كيف يمكنني أن أشرح له أنني لم أكن أقصد التدخل بل كنت أبحث عن شيء بداخلي؟ حاولت أن أتحدث لكن صوتي خرج ضعيف ومتردداً :-
_ أنا... لم أقصد أن أتبعك كنت... فقط..

قاطعني بنبرة حازمة:
"فقط ماذا؟"

عيناه حادتين أسرتني ابتلعت ريقي بتوتر لتخرج الحروف من تلقاء نفسها و لم أرد أن أرد عليه بهذه العبارة لكني و للعنة فعلتها أخذت نفس عميق أنا لست شخص يستسلم بسهولة قلت بثقة أكبر مما شعرت به ويا ليتني لم أنطقها :-
_ كنت أبحث عن الإلهام كنت أحاول فهم شيء بداخلي شيء لا أستطيع الوصول إليه وعندما رأيتك... شعرت بأنك قد تكون الإجابة .

رفع حاجبيه مرة أخرى وكأنه لم يتوقع هذه الإجابة ثم ضاقت عيناه قليلاً وقال بصوت منخفض :-
_ الإلهام؟ إذاً أنتِ تبحثين عن شيء أكبر من مجرد فضول؟ .

نظرت إليه وأنا أبتلع ريقي بصعوبة عيناي لا تفارقان عينيه ضحك بسخرية واضحة من كلماتي وكأنه لم يأخذني على محمل الجد شعرت بالغضب يتسلل إلى داخلي بسبب سخريته تلك وعقدت حاجبي بإزعاج :-

_ لماذا تضحك؟ أنا أتحدث بجدية أنا... أريدك أن تكون إلهامي هل يمكنك أن تكون حبيبي؟

أن كانت هناك جائزة يقدمونها لأكثر الشخصيات المتسرعة في القرارات هي تصرفاتي و بكل جدارة أنا الحمقاء التي دائماً تورط نفسها في الكثير من المشاكل الحقيقية دون التفكير الى العوائق التي تنتظرها بعد هذا المهم أنني وجدت إلهامي و لن أتخلى عنه أبداً لكنه ضحك بزاوية فمه وهو ينظر لي ليشدني بقوة الى جسده و كأنه سيسحقني بين يديه كتمت تأويهه كانت تريد أن تتسلل خارج فمي لكن هذا الأمر لم يحدث ليتحدث و وجهه قريب من وجهي ولا يبعد بيننا سوى بضع بوصات قلبي يزداد خفقان و كأنه يقيم حفل صاخب داخل صدري ليتكلم بصوت عميق و غليظ :-

_ أنتِ لا تعرفين ما الذي تورطين نفسك فيه يا صغيرة أنا لست مراهقاً مثلك أنتِ حتى لا تعرفين من أكون إذا عرفتِ ستهربين مني بعينين مرعوبتين لذا لا تختبري صبري .

لم أستطع أن أتراجع كلماته التحذيرية لم تهزني كما كان يعتقد قلت بحزم متحدية نظرته الحادة :-

_ أنا مصرة أنا أريدك هل يمكنك أن تكون حبيبي .

نظر إلي لوهلة وتكرار كلمة حبيبي على لسانه جاء مشبع بالسخرية :-

_ وما الذي سيجعلني أوافق على أن أكون حبيبك يا صغيرة؟ أنتِ لستِ ما أرغب فيه...

تسمرت في مكاني غير قادرة على فهم ما يعنيه لكن قبل أن أتمكن من التفكير أكثر شعرت بيديه تتحركان بطريقة جعلتني أفتح عيني على مصراعيهما حركة قدمه كانت قد استقرت بين قدمي مما جعلني أشعر بأنوثتي محاصرة فوق ركبته خرجت شهقة قوية من فمي ويداه التي أمسكت بصدري جعلتني أتجمد في مكاني لم أكن أعلم كيف أتصرف فلم أواجه مثل هذا الموقف المتمرد في حياتي من قبل ثم همس في أذني بصوت ذو نبرة غامضة لا أستطيع تحديد معناها تماماً لكنها كانت كافية لإرسال قشعريرة عبر جسدي بالكامل :-

_ لماذا أتخذ منك حبيبة و حتى صدرك صغير و يمكن ليدي ان تمسكه ببساطة كما أنني كبير على أنوثتك بما يكفي لتمزيقك بالكامل .

نظر إلي ورأيت الخوف والارتباك يسيطران على ملامحي كان هناك شيء آخر بداخلي شعور مختلط لم أستطع فهمه أو حتى ترجمته ابتسامته الساخرة ظلت مرسومة على شفتيه بينما أبعد نفسه عني وأدخل يديه في جيوب بنطاله أما أنا فلم أستطع الحراك وكأن الوقت توقف تماماً بالنسبة لي قال بصوت هادئ ولكنه مليء بالتهديد :-


_ كوني حذرة يا صغيرة ليس الجميع يمكنهم تركك هكذا فالجميع هنا يمكنهم أن يأخذوك بأبشع الطرق ثم يتركونك دون أي اهتمام .

ابتسم مرة أخرى وكأنه يستمتع بلعبة السيطرة التي يلعبها معي ثم أضاف بسخرية واضحة :-
_ كانت محادثة مسلية يا ذات الصدر الصغير .

بعد هذه الكلمات أدار ظهره وغادر تاركاً إياي وحيدة في الممر لم أتفوه بحرف واحد فقد كنت لا أزال في حالة من الصدمة العميقة قدماي لم تعودا تحملانني لذلك جلست على الأرض منهكة جسدي كان ساخناً كالجحيم وما زلت أشعر بجسده ضد جسدي ورائحته العالقة في أنفي وكأنها تذكرني بكل لحظة من تلك المواجهة الغريبة .

هذا الشخص... غير معقول تماماً كلماته القاسية والسخرية اللاذعة كانت كافية لتتركني في حالة من الاضطراب العاطفي لكن في الوقت نفسه كان هناك شيء آخر بداخلي شيء يدفعني للتحدي وللبحث عن المزيد نظرت الى صدري الذي كان يظهر قليلاً حسناً أنا أشعر بالإحباط اللعنة ... اللعنة أريد البكاء الآن .

جلست هناك لبعض الوقت أحاول استعادة أنفاسي وعقلي شعرت بالغضب يتسلل إلى داخلي لكنه كان ممزوج بشيء آخر شيء لا أستطيع تحديده بعد كيف تجرأ على التحدث معي بهذه الطريقة؟ وكيف تجرأ على لمسني بهذه الجرأة؟

لكن في أعماقي كان هناك سؤال أكبر لماذا لم أبتعد عنه؟ لماذا لم أصرخ أو أطلب المساعدة؟ هل كان ذلك بسبب الفضول الذي دفعني للتبعه في المقام الأول؟ أم لأن هناك شيء غريب وجذاب فيه يجعلني غير قادرة على الهروب؟

بعد فترة استجمعت قوتي ووقفت على قدمي نظرت نحو المكان الذي اختفى فيه بدأت أمشي ببطء عائدة إلى مكان صديقاتي لكن عقلي كان مشغولاً تماماً بما حدث كنت أعلم أن هذه الليلة ستكون نقطة تحول في حياتي وأن الرجل الغامض قد أصبح جزء من عالمي الآن سواء أردت ذلك أم لا .

عندما وصلت إلى الطاولة حيث كانت صديقاتي يجلسن حاولت أن أبدو طبيعية لكنهن لاحظن على الفور أن شيء ما ليس على ما يرام

سألتني تاتيانا بقلق :-
_ نيفين ماذا حدث؟ يبدو أنكِ شاحبة .

حاولت أن أبتسم لكن ابتسامتي كانت باهتة قلت بصوت منخفض :-
_ لا شيء... فقط شعرت بالتعب قليلاً .

لكن سارة كانت أكثر إلحاح :-
_ هل أحد ما أزعجكِ؟ إذا كان الأمر كذلك سنقوم بمواجهته حالاً .

رفعت يدي بسرعة لأشير لها بالتوقف وقلت :-
_ لا... لا أحد أزعجني فقط... أحتاج إلى بعض الهواء .

عرفت أنه لا يمكنني إخبارهن بما حدث كيف يمكنني أن أشرح لهن أنني تعرضت لموقف غريب ومربك مع رجل غامض وأنني لا أستطيع التوقف عن التفكير في كلماته؟ و كم أنا غبية أنني طلبت منه أن يكون حبيبي فقط ليكون إلهامي لروايتي التي أحبها بصدق اللعنة على كل شيء أصبح الأمر محرج جداً .

.

.

.

------------------------------------------------------

شنو رأيكم بالبارت ؟

شنو أكثر مقطع حبيتو ؟

شنو أكثر مقطع زعجكم ؟

شنو أكثر مقطع تفاعلتو ويا ؟

شنو أكثر مقطع أثر عليكم

نيكولاس ؟

أيلين ؟

ميشيل ؟

ديفيد ؟

نيفين ؟

الرجل الغامض منو تتوقعون ؟




تعليقات

تعليقان (2)
إرسال تعليق
  1. بارات روعه والصور اضافه جميله منك يا احلي كاتبه ❤️

    ردحذف
  2. اتوقع الشخصية الغامضة لويس صديق البطل والله اعلم ☝️

    ردحذف

إرسال تعليق

أكتب التعليق على هذا المدونة و البارتات لأستمرارنا بكتابة الروايات و جعل الأمر ممتع و مهم ....